حسام عبدالعليم، جريدة أخبار اليوم المصرية
جمهورية الصين الشعبية، من يزورها ويتعامل مع جميع الأساليب الحياتية والتعاملات بها بواسطة التكنولوجيا الحديثة، فالتأكيد سيقول أنها دولة اقتصادية متقدمة، في الوقت الذي تصنف الحكومة الصينية نفسها أنها مازالت دولة نامية وتسعى بأن تصبح في مصاف الدولة المتقدمة اقتصاديا رغم احتلالها المرتبة الثانية كأكبر دولة اقتصادية بعد الولايات المتحدة.
هناك يقين ثابت أن مادامت الصين من خلف السور العظيم، أو أي دولة أخرى نجحت في تحقيق نهضة اقتصادية وتنموية وتكنولوجية وقادرة على حل مشكلاتها وقضاياها الداخلية في مختلف المجالات ونواحي الحياة، فضلا عن توفير حياة رغدة لشعبها فهذا في حد ذاته هو تقدم ونجاح كبير بصرف النظر عن أي شيء آخر.
السطور السابقة هي نتاج إقامتي في العاصمة بكين لمدة عام تقريبا في إطار برنامج للتبادل الإعلامي والثقافي بين الصين وأفريقيا، نظمته وزارة الخارجية الصينية لمجموعة من الصحفيين من كل قارات العالم في عام2017 تحت مظلة مشروعها العملاق "مبادرة الحزام والطريق" الذي يهدف إلى تحقيق المنفعة المتبادلة وأحداث التقارب والتعاون بين شعوب العالم تحت شعار السلام والتنمية.
خلال تلك الفترة عايشت بنفسي النهضة الاقتصادية والتطور والابتكار والتجديد الذي تسعى إليه الصين منذ بدء سياسة الإصلاح والانفتاح الاقتصادي قبل 40 عاماً، وكان أثرت تلك الطفرة الاقتصادية وإقامة الآلاف من المصانع بمختلف أنواعها بشكل سلبي على البيئة هناك، فمثلا كان الطقس في العاصمة بكين سيئ للغاية، الهواء ملوث نتيجة الانبعاثات السامة الناتجة من المصانع، السحابة السوداء الضبابية تكاد لا تفارق سماء العاصمة لأيام طويلة طوال أيام السنة خاصة في فصل الشتاء، حتى أنه في العديد من الأحيان كنت أجد صعوبة في تحديد الوقت بالضبط خلال ساعات النهار، لا ترى الشمس وتستشعر بدفئها سوى في أوقات قصيرة جدا وليس كل يوم.
في العام نفسه اعترفت الحكومة الصينية خلال انعقاد جلسات الدورتين السنويتين وكذلك المؤتمر ال19 للحزب الشيوعي الصيني أنها أنفقت مليارات الدولارات من أجل تحسين الظروف البيئية وإنها سوف تواصل بذل جهودها في هذا الصدد.
وقبل أسبوعين شرفت بدعوة من صحيفة الشعب اليومية الصينية للمشاركة بورشة عمل نظمتها رابطة الحزام والطريق للتعاون الإخباري والإعلامي ، بعد أن تم اختياري كعضو في تلك الرابطة تعد منصة إعلامية كبيرة تهدف إلى التعاون والتبادل الإعلامي بين الصين وشعوب العالم.
قضينا الأسبوع الأول في العاصمة بكين حيث شاركنا في عدد من المحاضرات نظمتها جامعة الإعلام الصينية بعدد من الأساتذة الصينيين المختصين من الجامعة وخارجها، لا أجزم بأني كنت متوجسا بعض الشيء من ظروف الطقس السيئة في العاصمة بكين خاصة في هذا الوقت من العام مع اقتراب فصل الشتاء، تخيلت أنني لن أرى الشمس في هذا الجو البارد، والمفاجأة كانت عكس ما كنت أتوقع ، السماء صافية ، الشمس ساطعة طوال ساعات النهار، الهواء نقى لم يعد ملوثاً إلى حد كبير، لقد أوفت الحكومة الصينية بوعدها في بذل الجهود لتحسين الظروف البيئية خاصة في العاصمة بكين ذات الـ 22 مليون نسمة، فقد أغلقت ألاف المصانع والورش التي كانت تسبب الانبعاثات السامة، فضلا عن زراعتها لملايين الأشجار حول المدينة وداخلها، حقاً أنه لشيء عظيم عندما تجد من يوعد فيتعهد بوعده لك، هكذا ما لمسته وعايشته في هذا البلد الذي لا يتوقف أبدا عن كيف يُبهرك ويُزيد إعجابك به .
الإعلام .. غاية ووسيلة
تنظر الصين إلى الإعلام كأداة أساسية وغاية لتعريف الشعوب ببعضها كأحد أدوات القوة الناعمة خاصة في عصر التكنولوجيا المتطورة ، كما أنه وسيلة بسيطة وغير معقدة تستطيع أن تكشف من خلالها عن قدرات الدول وإمكاناتها وقوتها الاقتصادية،بل توظيفها في أن تسوق لنفسها خارج حدودها،لذلك تدرك بلاد التنين قوة تأثير هذه الآلة في تقارب الشعوب وتعريف ثقافاته فتذيب الحدود وتجعل العالم كقرية صغيرة. ومن هذا المنطلق قررت صحيفة الشعب اليومية وهى الصحيفة الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني في إنشاء كيانا إعلاميا يحمل اسم رابطة الحزام والطريق للتعاون الإعلامي والإخباري، حيث كنت مشاركاً في الدورة الثانية لورشة العمل لتلك الرابطة من بين 43 إعلاميا ضمن أكبر 41 مؤسسة إعلامية يمثل 20 دولة عربية من بينها مصر والإمارات العربية المتحدة والسودان وتونس وسلطنة عمان ولبنان وموريتانيا وجزر القمر ،ودول أخرى ناطقة باللغة الروسية.
تضمن الأسبوع الأول من ورشة العمل التي استغرقت أسبوعين،المشاركة في عدد من المحاضرات لعدد من الأساتذة المتخصصين في الاقتصاد والإعلام وثقافة المجتمع الصيني وذلك من أجل التعرف على الجهود التي بذلتها والخطط الجديدة التي تسعى الحكومة الصينية في تنفيذها سواء على المستوى الداخلي المتمثل في شبعها وإصلاح هيكلها الداخلي واستكشاف القوى الكامنة به، أو من خلال مسئوليتها الدولية كقوة اقتصادية في أحداث تعاون وتبادل المنفعة والتعاون المشترك مع الدول النامية والتي تمثل"مبادرة الحزام والطريق"أحد أكبر المشروعات التي تقيمها الصين في تاريخها الحديث جزءاً منها.
الفقر والضرائب
كان ارتفاع نسبة الفقر في الصين أكبر التحديات التي تواجهها منذ بداية الإصلاح الاقتصادي في سبعينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين إلى وقتنا الحالي بذلت الصين جهوداً جبارة من أجل القضاء على الفقر، حيث كانت تلك القضية في مقدمة أولويات الرئيس الصيني شي جين بينج منذ توليه الحكم ، وبحلول عام 2020 ستكون الصين قد استطاعت أن تنتشل أخر 50 مليون صينيا مازالوا تحت خط الفقر لتصبح دولة بلا فقير.
وقال أحد خبراء الاقتصاد الصينيين إن السبب في نجاح الحكومة الصينية في القضاء على الفقر وتطوير المناطق الفقيرة حول الصين ، هو أن الحكومة المركزية الصينية خصصت حوالي 75% من إجمالي إيرادات الضرائب في تنمية وتطوير تلك المناطق ، وأضاف أن شركات القطاع العام في الصين لا تخضع للحكومة الصينية ، في نفس الوقت تدعمها الحكومة عن طريق عدم تحصيل نسبة ضرائب كبيرة منها نظير خدماتها في المجتمع والتنمية في الصين ، منها على سبيل المثال شركة كهرباء شمال الصين وغيرها من الشركات في نفس القطاع، حيث تدعم الحكومة تلك الشركات مقابل توصيل الكهرباء لتلك المناطق الفقيرة والنائية كل على حسب ظروف كل مقاطعة،أما فيما يتعلق بالشركات والمصانع ذات الأغراض التجارية فتحصل منها الدولة أسعار الكهرباء دون دعم.
وأكد الخبير الصيني خلال محاضرة له للصحفيين الأجانب ، أن شركات القطاع العام بمختلف قطاعاتها قامت بدور كبير في عملية الإصلاح الاقتصادي طوال ال40 عاما الماضية،وأضاف أن التحديات التي تواجهها الصين هو النفط الخام، حيث تستورد الصين حوالي 70% من النفط الخام، في حين يرى أن إلى استيراد الصين للحبوب الغذائية سوف يؤثر بشكل كبير بارتفاع أسعارها حول العالم، مشيراً إلى أن الصين تقوم بزراعة مساحات ضخمة من الحبوب الغذائية لتلبية حاجة شعبها التي يبلغ تعداده مليار و400 مليون نسمة.
وأضاف الخبير أن هناك احتياطي كبير من الحبوب الغذائية في الصين ،لافتا إلى أن هناك تخوف من نقص تلك الحبوب الغذائية، وانتقد الخبير الصيني بعض سياسات الدولية والتي سماها متطرفة وحادة والمتعلقة بمنع الانبعاثات لمنع تغير المناخ، بدلا من اتخاذ سياسات تدريجية ، منها مثلا عدم زيادة نسبة الانبعاثات وليس منع الانبعاثات.
وتابع الخبير، أن التغير المناخي أحد أكبر التحديات التي تواجهها الصين و حاليا تبذل جهوداً ضخمة لتحسين الظروف البيئة بها ، وذلك عن طريق التنمية المستدامة والاعتماد على الطاقة الشمسية كبديل، فضلا عن الحفاظ على البيئة الايكولوجية في ظل التنمية والتطور التكنولوجي والامتداد الاقتصادي والاستثماري والتجاري على الأراضي الصينية .
مدينة السعادة
الأسبوع الثاني من ورشة العمل، تضمن زيارة لمدينة لانتشو عاصمة مقاطعة قانسو شمال غرب الصين ، وكذلك مدينة شيندو بمقاطعة سيتشوان جنوب الصين ، تخللت زيارتنا للمقاطعتين زيارة الأصفر وهو ثان أطول الأنهار في الصين بعد نهر يانغستى ويبلغ طوله حوالي 5,464 كيلومتر، ويعبر وسط مدينة لانتشو بطول 152 كليومتر مما أعطى للمدينة طابع حضاري وشكل جذاب ، حيث يقضى المواطنين بالمدينة أوقات فراغهم على ضفاف النهر الذي بعد أن قامت الحكومة المحلية لمقاطعة قانسو بإنشاء ممشي بطول النهر التي تجرى مياهه بسرعة كبيرة ، لترى مشهد تجمعات المواطنين وسماع أصوات موسيقى التراث الصينية في وقت الغروب وكأنه لوحة فنية مرسومة ، لذلك يطلق عليها المدينة " مدينة السعادة".
على حدود المدينة تقع الميناء البرى للتجارة الدولية والذي يعد محورا استراتيجيا مهما على طريق الحرير البرى الممتد إلى شمال وجنوب قارة أسيا ،كذلك قارة أوروبا عبر خطوط السكك الحديدية ، ويمثل هذا الميناء الذي يمثل رقم 18 على مستوى الصين ،كما يشمل المنطقة الجمركية التاسعة في البلاد حيث من خلاله يتم تصدير واستيراد البضائع خاصة السيارات الصينية وأخرى الأجنبية ، ويستوعب الميناء حوالي 30 مليون طن من البضائع في العام، في الوقت ذات تقوم الحكومة المحلية بإنشاء مدينة لانتشو الجديدة التي تتمتع بخصائص التنمية المستدامة وتحتوى على مصانع عملاقة وشركات تكنولوجية ومراكز تدريب عالية المستوى فهي مدينة الصناعة ذات الجيل الرابع.
كما تعد مدينة شيندو بمقاطعة سيشتوان إحدى أقدم المدن تاريخا في الصين ،وكذا أكبر المدن الصناعية والاقتصادية ليس فقط في داخل الصين ،بل في العالم ، وتحمل هذه المقاطعة بمزايا خاصة لدى الصينيين في كل أنحاء البلاد، حيث تتميز بالأطعمة الحارة والشهية ، فلك أن تتخيل أن كل أنواع الأطعمة التي تقدمها المحال التجارية والمطاعم والفنادق لا يخلو طعمها من الفلفل الحار ، كما تحتوى مدينة شيندو على أكبر حديقة خاصة لدب الباندا ، والذي لا يمثل للصينيين مجرد حيوان بل يعد ثقافة وتراث قديم وتاريخي لديهم، وتحتوى الحديقة على 195 من دب الباندا، أي ما يعادل 40 % من إجمالي عدد الباندا في أنحاء العالم وعددها حوالي 550 باندا.
في نهاية ورشة عمل رابطة الحزام والطريق للتعاون الإخباري والإعلامي، أتاحت لي صحيفة الشعب اليومية بإلقاء كلمة كعضو بالرابطة خلال حفل الختام، وأكدت فيها أن طريق الحرير القديم كان ممراً تجارياً رئيسياً بين الصين والمنطقة العربية منذ قديم الأزل، ومن هذا المنطلق علينا جميعا أن نسعى إلى ترسيخ التعاون المشترك على مختلف الأصعدة ، وأن المبادرة تعد قاطرة النمو والتقدم خاصة للدول النامية من خلال يمكن خلق تعاون ومنفعة متبادلة وكسب مشترك لشعوبنا تحت شعار" win-win people"، لقد بدأت الصين بنفسها أولا ومصر تعد شريكا استراتيجيا أساسيا في تلك المبادرة فهي من أولى الدول التي انضمت إليها، وبالطبع تختلف وتتنوع حاجات الدول الأعضاء في المبادرة كلا على حسب ما تتطلبه من مقومات ومسارات تسير عليها في إطار عمليات التنمية بها ، فالحزام والطريق ليس حكراً لدولة أو إجبارا على أخرى.