سوسن محجوب، صحفية من "السوداني"
“أفضل وقت لزراعة شجرة كان منذ 20 سنة. ثاني أفضل وقت للزراعة هو الآن”، ربما كانت هذه الحكمة الصينية هى ما يتمسك بها الصينيون، هم الآن يزرعون ويحصدون ثمار تلك الـ”20” سنة، إذ إنه وبعد سنوات من “الانغلاق” تطرح الصين نفسها اليوم للعالم ليشاركها ما أنتجته ومقابل ذلك فهي تفتح أبوابها للآخرين ليأتوا لرؤيتها من الداخل.
سابقاً لا تتجاوز حدود معرفتي بهذا البلد إلا بالقدر الذي يتطلبه عملي باعتباري معنية بالشأن الداخلي، حتى سور الصين العظيم كـ”واحدة” من معجزات الدنيا والتراث العالمي، تجاوزته ذاكرتي مبكراً، ربما لأنني لم أتصور أن يسور بلد أشبه بالقارة بسياج دفاعى يصل طوله “20” ألف كيلو متر وارتفاعه نحو “7”أمتار، إلا أن زيارتي ولنحو أسبوعين لبكين ومقاطعات صينية أخرى بينها هذا السور، خلقت لدي قناعة أن العالم سيتشكل وفق رؤية الصين وليست الآخرين.
الطريق والحزام:
عندما أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال زيارة لكلٍ من كازاخستان وإندونيسيا رسمياً، مبادرة الطريق والحزام، أشفق أصدقاء البلد المسالم من ألا يجد هذا المشروع العالمي ما يدعمه ويقف معه، الآن نحو 167 دولة ومنظمة إقليمية تقف خلف هذا المشروع، ليعزز آمال الصين فى ربط تاريخها بالحاضر، الآن بلغ حجم تجارة السلع ما بين الصين ودول الحزام والطريق 6 ترليونات دولار، وسيرت الصين حتى فبراير 2019، “14”ألف قطار شحن في إطار المبادرة نحو أوروبا.
وتوقع البنك الدولي أن يقلل ذلك من تكلفة التجارة العالمية بنسبة 1.1%-2.2%، ويقلل من تكلفة التجارة في الممر الاقتصادي بين الصين ووسط آسيا وغرب آسيا بنسبة 10.2%، كما سيجعل نمو الاقتصاد العالمي يرتفع بنسبة 0.1% على الأقل في العام الحالي 2019.
رفيق إعلامي :
خلال مشاركتي في أعمال الدورة الثانية لرابطة” الحزام والطريق“ للتعاون الإخباري والإعلامي وهي الذراع الإعلامي لـمبادرة “الطريق والحزام”، بالعاصمة بكين، والتي تقام تحت رعاية كل من المكتب الإعلامي التابع لمجلس الدولة الصيني والأمانة العامة للرابطة ( قسم التعاون والتبادل الدولي لصحيفة الشعب اليومية) وجامعة الصين للإعلام، بحضور 43 مشاركاً من 41 وسيلة إعلام رئيسية من 20 دولة ناطقة باللغتين الروسية والعربية والتي استمرت لأسبوعين، زرنا خلالها عدة مدن صينية فى مقاطعات مختلفة أكدت أن الصين تتجه نحو إقامة شراكة عالمية تستند على تبادل المنافع بعيداً عن سياسة “الحمائية” ما يعني إمكانية أن تخلق اصطفافاً عالمياً لتغيير مفاهيم سيطرة الأحلاف وبالتالي احتكار الكثير من السلع والمعرفة والتكنلوجيا وأن لا تعطي منها تلك الدول إلا بمقدار انصياعها لأوامر “الحلف”.
جامعة بكين للإعلام والاتصالات الصينية :
تسعى الصين التي تحتل ثاني أكبر اقتصاد عالمي في أن تجعل من مؤسساتها التعليمية تواكب هذا الموقع المميز، وتعزز البلد الذي يعد أكبر مصدر في العالم وثاني أكبر مستورد للسلع هذا الاتجاه بتأهيل الكادر البشري باعتباره هو من يقود التنمية ويستعدون للمستقبل، المحاضرة التي استمعنا لها عن واقع الاقتصاد الصيني بجامعة بكين للإعلام تؤكد أن بكين لن تتخلى عن حلمها بأن يكون اقتصادها الأول وتواجه تحدياتها الاقتصادية بشجاعة وعلى رأسها إنهاء الفقر بحلول العام المقبل.
قوة الصين الناعمة :
خلال وجودي في بكين لاحظت أن المرأة الصينية تشارك بفاعلية وتشكل مركز ثقل فى الكثير من المهام القيادية، وهذا بدا جلياً في مؤسسة صحيفة الشعب العملاقة والتي توجد بها سيدة تحتل نائب أول لرئيس التحرير، ربما هذا ما ذهب إليه الكتاب الأبيض الذي صدر مؤخراً من إعلام مجلس الدولة الصيني والذي وثق لجهود ودعم المرأة الصينية طوال مسيرة بناء الدولة الصينية، وما بدا لافتا لنا وجود أعداد كبيرة من ” الصحافيات المصورات” في الصحف الصينية المختلفة.
مقاطعات بحجم دول:
تعزز الصين جهودها نحو الصدارة بمحاربة الفقر وتقوية البنى التحتية في جميع مدن مقاطعاتها، وهو عكس ما يتم في بلداننا حيث تصبح الأرياف طاردة لانعدام مشاريع التنمية ما يؤدي إلى هجرة عكسية نحو العاصمة ليشكل ضغطاً على مواردها على قلتها ويتقاسم الجميع المعاناة، لكن الصين تقدم تنمية متوازنة وإلى جانب ذلك فإنها أعدت تلك المدن والمقاطعات التي يمر بها طريق الحزام كجزء من خططها لتعزيز التعاون وسيتم الربط فيما بين آسيا وأوروبا بتلك المقاطعات، وتراهن بكين على ميناء تشنغدو الدولي للسكك الحديدية الرابط بين الصين وأوروبا حيث قام بـ31 رحلة في عام 2013 و460 رحلة سنة 2016 و858 في 2017 و1591 في 2018 بمعدل نمو سنوي بلغ 155%، ما مثل قرابة ربع الرحلات الإجمالية لقطارات الشحن على مستوى البلاد ليحتل بذلك المرتبة الأولى في الصين لمدة ثلاث سنوات متتالية.
الباندا ثروة الصين الأخرى :
تبدو الصين أكثر صرامة متى ما بدا أمراً يتعلق بحيوان ” الباندا” المهدد بالانقراض ولا يتجاوز الموجود منه ألفاً و”500″، ويحظى الموجود منه في قاعدة بحوث تربية حيوانات الباندا العملاقة بمدينة “تشنغدو” جنوب غربي الصين، باهتمام ورعاية “خمسة نجوم” لحمايتها وتشجيعها على التكاثر.
مسرح التنين ورحلة البحث :
في المسرح الوطني بمدينة “لانتشو “بمقاطعة” قانسو” التي تعد أهم ممر تجاري على طريق الحرير امتلأت قاعة المسرح لمشاهدة عرض استمر ثلاث ساعات، رغم ارتفاع تكلفة تذكرة الدخول “780 “يواناً صينياً أي نحو”110″يورو، ما يعني أن التنين الصيني لا ينافس فقط في إنتاج التكنلوجيا والبضائع وإنما يسعى لإقامة “هوليود الصينية”،المسرحية التي استغرق إعدادها نحو عامين وشارك فيها نحو “200” ممثل واستخدمت فيها آلات موسيقية بلغت “70” آلة بعضها شرقي مثل “الربابة والدف” وغيرها لم تجسد فقط رحلة راهب يبحث عن “البوذية ” وهذا هو مضمون المسرحية، وإنما كانت مؤشراً بأن التنين الصيني يبحث عن موطئ قدم في المسرح العالمي لعرض بضاعته، جيانغ يينغ، قائدة الأوركسترا الوطنية الصينية ومخرجة العرض قالت لـ”السوداني” إن العديد من الآلات الشعبية الصينية التقليدية دخلت إلى الصين من خلال طريق الحرير القديم وتم تطويرها وإدخال بعض التعديلات عليها.
مقاطعة المكرونة والنهر الأصفر :
ليس النهر الأصفر هو ما يميز مدينة لانتشو، هناك أيضاً مطعم “هونغبين” ما إن تحل ضيفاً على هذه المدينة حتى تقودك رائحة “شوربة لحم البقر بالمكرونة” والتوابل الحارقة، هذه أحد أهم ثقافات المسلمين في هذه المدينة شمال غربي الصين.
أين نحن؟
السؤال أعلاه ربما تبادر لأذهان الكثير منا عندما نزور إحدى الدول المتقدمة ولكن عندما يتعلق الأمر بالصين يجب أن يكون ماذا نريد نحن من الصين، على الرغم من اأن السودان من أوائل الدول التي وافقت على هذه المبادرة، إلا أنه وحتى الآن لم تنفذ المشروعات المصاحبة لهذا المشروع الضخم بسبب تقاعس الجانب السوداني خلال النظام البائد، وبما أننا جزء من هذه المبادرة فإن مشروعات واعدة يتوقع أن تنفذ بمدينة بورتسودان حيث يمر الطريق في الجانب البحري.. وعلى رأسها تأهيل قطاع النقل والسكك الحديدية وإنشاء منطقة حرة في بورتسودان لذلك حرصت وخلال الكلمة التي طلبت رئاسة تحرير صحيفة الشعب أن ألقيها أن أدعو الشركات الصينية للعودة مجدداً للسودان كما أشرت إلى التغيرات السياسية التي تمر بها البلاد الآن.