19 فبراير 2024/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/ إن تعميق التعاون العلمي والتكنولوجي يصب في المصالح المشتركة للصين والدول العربية، كما أنه جزء مهم من التعاون بين الجانبين، وستساعد الصين والدول العربية بشكل فعال في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد. لكن، هناك جهات تسعى دائما إلى عرقلة التبادلات والتعاون المنتظمين بين الصين والعالم العربي في مجال العلوم والتكنولوجيا.
ويرى دينغ لونغ، الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، في مقال بعنوان "عرقلة التعاون العلمي والتكنولوجي الصيني العربي لا يحظى بشعبية" نشر في صحيفة " غلوبال تايمز" يوم 19 فبراير الجاري، أن دول الخليج العربية قد برزت في السنوات الأخيرة كقوة جديدة في مجالات التمويل والاستثمار والتكنولوجيا، خاصة المدن الخليجية المتمثلة في دبي وأبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي أصبحت نجوما صاعدة في السوق المالية العالمية.
كما أشار إلى أهم العوامل المحلية والدولة التي ساهمت في الازدهار الاقتصادي لدول الخليج، والمتمثلة في: ـ
أولاً، سعي دول الخليج لتعزيز التحول الاقتصادي
تخطط دول الخليج للتحول الاقتصادي واستراتيجيات التنمية من منظور التصميم عالي المستوى. ومع تسارع تحول الطاقة العالمية، أدركت دول الخليج الحاجة الملحة للتخلص من اعتمادها على النفط وتحقيق التنويع الاقتصادي، وأطلقت خططا طويلة المدى للتحول الاقتصادي والتنمية. وتفتقر دول الخليج إلى الظروف الملائمة لتطوير الزراعة والتصنيع، ومن أجل استخدام عائدات النفط للاستثمار في المستقبل، يعتبر تطوير الصناعات الخدمية الحديثة الاتجاه الرئيسي لتحولها الاقتصادي، ومن بين المسارات الرئيسية التي تختارها التمويل والاستثمار والتكنولوجيا.
ثانياً، قدرة مدن خليجية على ان تصبح مراكز مالية دولية
تتمتع مدن الخليج مثل دبي وأبو ظبي بالقدرة على أن تصبح مراكز مالية دولية. وتمتع دول الخليج بسياسة مستقرة، ورؤوس أموال وفيرة، وبنية تحتية ممتازة، وبيئة أعمال جيدة. وقد أنشأت دول الخليج نظامًا اقتصاديًا مفتوحًا من خلال الإصلاحات المستمرة في السنوات الأخيرة، مما أرسى الأساس لصعود قطاعات التمويل والتكنولوجيا والعقارات وغيرها من الصناعات. كما يشكل الموقع الجغرافي المتميز الذي يربط بين الشرق والغرب عاملاً مهماً في التحول إلى مركز تجاري ومالي، فقد أصبحت دبي والدوحة وأبو ظبي مراكز إقليمية للطيران والشحن والتجارة، ويمكنها تتبع الأسواق المالية العالمية بسلاسة.
ثالثاً، دول الخليج هي المستفيدة من الجغرافيا السياسية
لقد دفع الصراع بين روسيا وأوكرانيا أسعار النفط العالمية إلى أعلى مستوياتها، كما زادت عائدات صادرات النفط والغاز في دول الخليج بشكل كبير، الأمر الذي وفر زخما للتنمية والتحول الاقتصادي. وقد استثمرت هذه البلدان عائداتها في مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق، وتحويل الطاقة، والصناعات ذات التقنية العالية. وتسبب الصراع بين روسيا وأوكرانيا في تدفق الأموال والأشخاص الذين يعتبرون الامارات ملاذا آمنا، كما سجلت أسعار المساكن في دبي ارتفاعا غير مسبوق. وتجاوز المعروض من الفنادق الطلب في الرياض، مما يجعل من الصعب العثور على غرفة.
وأكد دينغ لونغ، أن التعاون الاستثماري بين الصين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى يشهد تقدما متسارعا بعد ثلاث القمم في نهاية عام 2022 وهي قمة الصين السعودية وقمة الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية وقمة الصين والدول العربية. وفي عام 2023، زارت الآلاف من مجموعات الأعمال الصينية المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للبحث عن فرص التجارة، كما أن دول الخليج تتحول نحو الشرق، حيث أنشأت هيئة أبو ظبي للاستثمار، وشركة مبادلة للاستثمار، وصندوق الاستثمارات العامة السعودي مكاتب في الصين، لتوسع سوق رأس المال الصيني.
ويعتقد دينغ لونغ، أن التعاون المالي والاستثماري بين الصين والدول العربية هو نتيجة الخيارات المتبادلة، ويتبع منطق السوق، كما أنه تعاون متكامل مربح للجانبين. وإن أغلب أهداف الاستثمار العربية هي شركات التكنولوجيا الفائقة الصينية الخاصة، والشركات الناشئة، وشركات "يونيكورن"، كما تتركز استثمارات الصين في الدول العربية في مجالات التكنولوجيا الفائقة والطاقة الجديدة وغيرها من الصناعات التي تقود فيها الصين العالم.
ومع ذلك، فقد تعرض التعاون الصيني العربي خاصة الاماراتي مؤخرًا للتدخل والتقويض من قبل الولايات المتحدة دون سبب، وتكبدت العديد من الشركات ذات الصلة خسائر فادحة وتعطلت مشاريع التعاون. وقد صنفت الولايات المتحدة المشاريع الاستثمارية الصينية الاماراتية على أنها مسائل تتعلق بالأمن القومي من خلال ما يسمى "إزالة المخاطر" والسلطة القضائية طويلة المدى، مما أجبر الشركات الاماراتية على اختيار أحد الجانبين.
منذ وقت ليس ببعيد، أجبرت الولايات المتحدة شركة G42التكنولوجية الرائدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، على التخلي عن التعاون مع الشركات الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى تدمير آفاق التعاون الجيد بين الشركات الصينية والاماراتية. وتبين أن السبب الذي قدمته الولايات المتحدة هو أن "الصين قد تحصل على التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة من خلال هذه الشركة". ووصفت وسائل الإعلام الأمريكية هذا الحادث بأنه جزء من "سباق التسلح" في مجال الذكاء الاصطناعي الصيني الأمريكي، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة تعتبر المنافسة مع الصين أولوية وتحاول استخدام وسائل مختلفة للضغط على الصين لإخراجها من الحدود التكنولوجية العالمية.
ويعتقد دينغ لونغ، أن هذا النهج يهدف إلى تعميم التعاون العلمي والتكنولوجي نحو الأمن، وهو سلوك منافسة غير عادلة في السوق. والأكثر من ذلك أن الولايات المتحدة تمارس الضغوط على الشركات الاماراتية استناداً إلى مجرد تكهنات دون دليل على الاطلاق. ويرجع اختيار الجانب الاماراتي شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة في الصين كشركاء وإدخال المواهب العلمية والتكنولوجية المتطورة إلى احتياجات تطوير الشركات، كما أن الصين تمتلك عددًا من الشركات ذات المستوى العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي، ومع مزايا تكنولوجية ومواهب كبيرة وخبرة تطبيقية غنية، لذلك، يعد التعاون الصيني الاماراتي في مجال الذكاء الاصطناعي أمراً طبيعياً.
وقد ذكرت الصين مرارا وتكرارا أنها تعارض تعميم الولايات المتحدة لمفهوم الأمن القومي، وتسييس القضايا الاقتصادية والتجارية واستخدامها كسلاح، وعرقلة الاستثمار الطبيعي والأنشطة التجارية بين الصناعات والشركات. وإن تأثير الإجراءات الأمريكية بشكل خطير على النظام الاقتصادي والتجاري الدولي، وعلى استقرار سلاسل الصناعة والتوريد العالمية، لا يحظى بشعبية. وفيما يتعلق بالتصرفات التي تعرقل التعاون الصيني الاماراتي، أكد القادة في الامارات مرارا وتكرارا أنهم يعارضون عقلية المحصلة الصفرية في النظر إلى التعاون الدولي، وأن الامارات "ترفض أن يتم تعريفها على أساس المنافسة بين القوى الكبرى".
إن التطور العلمي والتكنولوجي لا يمكن أن تحتكره دولة واحدة، ونتائجه تعود بالنفع على البشرية جمعاء. وعلى المدى الطويل، لا يمكن للاحتواء أن يمنع التعاون الصيني العربي في العلوم والتكنولوجيا والاستثمار، ومن المستحيل أن تحافظ الولايات المتحدة على تفوقها التكنولوجي من خلاله.