شبكة "الحزام والطريق" للتعاون الإخباري والإعلامي

شبكة "الحزام والطريق" للتعاون الإخباري والإعلامي>>الأخبار>>أخبار الصين

مقالة: جهود الصين في مكافحة الفقر: نموذجٌ ملهم للتنمية الشاملة

2024-07-10 11:09:22    /صحيفة الشعب اليومية أونلاين/

بقلم: احمد محمد، كاتب عراقي

مسيرة الحزب الشيوعي في مكافحة الفقر

تتخذ الصين إجراءات مهمة في التغلب على مشكلات الفقر، مثل تنفيذ الخطة العامة لتخفيف الفقر وتحديد أسبابه ووصف الدواء حسب الداء، والقيام بالعلاج الموجه.

وقبل الحديث عن ذلك فمن الضروري أن نتحدث عن الصين قبل حكم الحزب الشيوعي، حيث كانت الأراضي تمتلك بشكل غير متساوٍ، وكانت نسبة الملاك الاقطاعيين تقل عن 10٪ من سكان القرى والأرياف، لكنهم كانوا يمتلكون ما يقرب 80٪ من مساحة الأراضي المزروعة، بينما كان الفلاحون والفقراء يمثلون 90٪ من السكان ولكن لا يملكون سوى 20٪ تقريبا من الأراضي.

ولكن بفضل إصلاحات الحزب الشيوعي، تم تحقيق تحول جذري من خلال توزيع الأراضي بشكل أكثر عدالة، مما ساعد في تحسين أوضاع الفلاحين والفقراء في الريف وتقليل الفجوة الاقتصادية بين الطبقات المختلفة من المجتمع، لكن تلك الإصلاحات كانت تحتاج لوقت وظروف أفضل؛ لأن الفقر لم ينتهِ بسبب المشاكل الداخلية في الصين آنذاك.

بعد عام 1978، عندما أطلق دينغ شياو بينغ إصلاحاته، فقد أدخل الصين والاشتراكية حقبة جديدة من المرونة والازدهار، مما عزز ثقة مئات الملايين من الناس حول العالم في تحقيق التعاون والتنمية السلمية. شهدت الصين نموًا اقتصاديًا قويًا على مدى العقود القليلة التالية، وانتشل مئات الملايين من الفقر المدقع.

ومع عزم الحكومة المركزية على توسيع الاقتصاد خلال تلك الحقبة، أطاع المسؤولون المحليون الأوامر من الأعلى من خلال ملاحقة نمو الناتج المحلي الإجمالي وتوسيع الطاقات العاملة، مما ساهم في تحقيق مستويات نمو أكبر في العالم وبناء وتوسيع الطبقة الوسطى.

منذ وصوله إلى السلطة في عام 2012، جعل الرئيس شي جين بينغ القضاء على الفقر هدفًا سياسيًا رئيسيًا.

وفي عهده، اتبعت العديد من الابتكارات في أساليب التخفيف من حدة الفقر، بهدف بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل وتحقيق حلم الصين للنهضة العظيمة للأمة الصينية.

ولتحقيق تلك الأهداف، عملت الحكومة على تكثيف جهودها لمكافحة الفقر. والى غاية نهاية عام 2014، لا يزال هناك 70.17 مليون فقير  و 128 ألف قرية فقيرة. فزادت الميزانية الحكومية السنوية المخصصة لتخفيف الفقر بأكثر من الضعف، حيث ارتفعت من 7.5 مليارات دولار في عام 2015 إلى 18.3 مليار دولار في عام 2019. كما قامت الحكومة بإطلاق مشاريع مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات الناس، وزادت دور مؤسسات الحزب والإشراف عليها لتعزيز جهود التخفيف من حدة الفقر على مستوى القرى.

كما شكلت السياسات القائمة للحكومة الجديدة دعم الشركات الكبرى لتعزيز الاقتصاد المحلي في المناطق الفقيرة أحد الأساليب الرئيسية للتخفيف من حدة الفقر. يترتب عن الوفاء بالمسؤولية الاجتماعية للشركات تأثير ترويجي إيجابي لها.

إذ ان الشركات المملوكة للأفراد، خاصة التي تتحمل مسؤوليات اجتماعية، تحصل عادةً على الإعانات والدعم الحكومي، مما يمنحها مكانة محسنة في السوق ويعزز مكانتها.

وقد أظهرت الأبحاث أن الشركات المملوكة للدولة أكثر ميلاً للمشاركة في جهود التخفيف، حيث يمكن أن تستثمر في مشاريع طويلة الأمد ذات فوائد اجتماعية. بينما تركز الشركات الخاصة في الغالب على تحقيق الأرباح، وليس على الاستثمار في مشاريع التخفيف من حدة الفقر بشكل اوسع.

وبالتالي، يمكن أن يكون الأداء المالي للشركات المدرجة المملوكة للدولة المشاركة في جهود التخفيف من حدة الفقر المستهدف أكثر اهتمامًا.

كما تعد الشركات المدرجة في جهود التخفيف من حدة الفقر المستهدفة نموذجًا رئيسيًا لتنمية المناطق الفقيرة، ويتضمن هذا النموذج دمج الموارد في المناطق الفقيرة، وتعديل هيكل التنمية الصناعية، وتحفيز النمو الاقتصادي المحلي، مما يعزز الاقتصاد في تلك المناطق.

في عام 2021، أعلنت الصين أنها قضت على الفقر المدقع في جميع أنحاء البلاد، وهو ما يمثل مساهمة كبيرة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة على مستوى العالم.

كما ذكر البنك الدولي في تقرير "التشخيص المنهجي للصين" أن الصين حققت”إنجازات غير مسبوقة“في النمو الاقتصادي السريع والحد من الفقر.

حيث أرسل الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش رسالة تهنئة في “المنتدى رفيع المستوى بشأن الحد من الفقر والتنمية” وأشاد باستراتيجية الصين للحد من الفقر ، قائلاً إن “استراتيجية الحد من الفقر المستهدفة هي الطريقة الوحيدة لمساعدة أفقر الناس وتحقيق الأهداف الكبرى لخطة التنمية المستدامة لعام 2030”.

تعتبر جهود الصين في مكافحة الفقر خلال السنوات الأخيرة ملهمة ومثيرة للإعجاب؛ بفضل تحول اقتصادي مذهل وسياسات حكومية جادة، شهدت الصين نجاحًا هائلا في رفع مستوى معيشة الملايين وتقليل الفجوات الاقتصادية والاجتماعية، وانتشارا واسعا للرخاء. معركة الصين ضد الفقر أفادت أكبر عدد من الناس في تاريخ البشرية، وقدمت مساهمات كبيرة في كيفية الحد من الفقر العالمي.

من المثير للدهشة أن وسائل الإعلام الغربية لم تلق الضوء الكافي على جهود الصين في تخفيف حدة الفقر، على الرغم من التركيز البالغ الذي توليه لهذه الجهود داخل البلاد. وعلى الرغم من التحديات التي تواجه العالم في معركته ضد الفقر، يمكن أن يساعد فهم النهج الصيني في تحقيق نتائج إيجابية للعيش الرغيد.

مكافحة الفقر عند الفكر الصيني القديم

في السياق التاريخي للتراث الصيني، كانت مكافحة الفقر من بين أهم القضايا التي اهتم بها الفلاسفة والحكماء الصينيون. تُعتبر مكافحة الفقر جزءًا لا يتجزأ من فلسفة الحكم والتحكم، حيث كانت الحكومة تعتبر من واجبها توفير الرعاية والدعم للفقراء والمحتاجين، بموجب الفلسفة الصينية التقليدية التي تؤمن بتحقيق التوازن والعدالة في المجتمع.

كما عبر الإمبراطور الثاني لتانغ، لي شيمين، عن اعتقاده في أن استغلال مقدرات الشعب وعدم تلبية احتياجاته سيؤدي حتمًا إلى انهيار الحكم. وأكد على أن الضرائب الباهظة وتحصيلها بالقسوة والفساد الحاكم سيؤديان إلى معاناة الشعب، مما يؤدي إلى تقويض استقرار الأمة وسقوط الحاكم من حكمه، وقد وصف العلاقة بين الحاكم والرعاية بأنها "مثل العلاقة بين القارب والماء، حيث يظهر القارب بفضل الماء ويغرق بفعله".

كما أشاد الفيلسوف منشيوس بضرورة إقامة نظام اقتصادي يعتمد على تحقيق المنفعة العامة للشعب والعمل على تحقيق الازدهار عن طريق الخطط الاقتصادية. وأكد أن الاقتصاد له علاقة وثيقة بالأخلاق، حيث أوضح أن الشعب الجائع لا يمكن أن يلتزم بالأخلاق.

وقد أظهرت الأبحاث العلمية أن الفقر يمكن أن يكون عاملًا مؤثرًا في ارتفاع معدلات الجريمة، حيث يمكن أن يدفع الفقر الأشخاص إلى ارتكاب جرائم لسد احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والسكن. ويمكن أن يزيد الفقر من التوتر الاجتماعي والاقتصادي، مما يزيد من احتمال وقوع الجرائم.

بشكل عام، يعتبر التراث الصيني القديم مرجعًا ثقافيًا يعكس القيم الإنسانية العميقة والتزام المجتمع بالتضامن ومحاربة الفقر، وهو ما يظل مهمًا حتى في العصر الحديث.