بكين 25 ديسمبر 2025 (شينخوا) قال عباس جواد كديمي، أستاذ عراقي في جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية بالعاصمة الصينية بكين، الذي شارك في عمل ترجمة ومراجعة النسخة العربية من المجلد الخامس من كتاب "شي جين بينغ: حول الحكم والإدارة"، إن التجارب التنموية والإدارية في الصين تستحق الدراسة والتأمل والاستفادة منها على المستوى العالمي، ولا سيما بالنسبة للدول العربية الساعية إلى تحقيق التنمية والنهوض.
خطط خمسية ورؤية طويلة الأمد: أساس التجربة التنموية الصينية
أكد كديمي أن أحد أبرز العوامل الجوهرية للتجربة التنموية الناجحة في الصين يتمثل في اعتماد التخطيط طويل الأمد من خلال الخطط الخمسية التي بدأت تطبيقها منذ عام 1953 لإرساء الأسس لتنمية البلاد وتحديثها، مشيرا إلى أن هذه الخطط لم تكن مجرد وثائق توجيهية، بل تحولت إلى أدوات تنفيذية فعالة أسهمت في تحديث البنية التحتية وتعزيز الرقمنة والأتمتة والقضاء على الفقر المدقع وتحسين مستوى معيشة الشعب وما إلى ذلك.
وأظهرت بيانات رسمية أنه من المتوقع أن يتجاوز حجم النمو الاقتصادي للصين 35 تريليون يوان (حوالي 4.97 تريليون دولار أمريكي) خلال فترة الخطة الخمسية الـ14 (2021-2025)، وعلى مدار السنوات الأربع الأولى من تلك الفترة، توسع الاقتصاد الصيني بمعدل نمو سنوي متوسط بلغ 5.5 في المائة.
وأضاف كديمي أن التجارب الصينية أثبتت أن وضوح الرؤية والاستمرارية في التخطيط يمنحان الدول قدرة أكبر على مواجهة التحديات وتحقيق تنمية مستقرة ومستدامة، وهو درس بالغ الأهمية للدول النامية.
الابتكار والتكنولوجيا: محركات أساسية للتنمية عالية الجودة
أشاد كديمي بجهود الصين في ترقية قطاع الصناعات التحويلية، قائلا إنه في نهاية الخطة الخمسية الـ14 (2021-2025) حققت البلاد إنجازات ملحوظة في المجالات الرئيسية، وخاصة في مجال علوم الفضاء والتقنيات الحيوية وتكنولوجيا المعلومات والتصنيع الذكي والمزيد من تطوير وسائل النقل والمواصلات، مضيفا أن المركبات العاملة بالطاقة الجديدة التي تصنعها الصين أصبحت مرغوبة ومتوفرة في مختلف أنحاء العالم.
وأظهر مؤشر الابتكار العالمي لعام 2025 توسعا سريعا في قدرات الصين على الابتكار، إذ حلت للمرة الأولى في المرتبة العاشرة عالميا. بينما ارتفع إجمالي إنفاق البلاد على البحث والتطوير بنحو 50 في المائة، أي بمقدار 1.2 تريليون يوان خلال الفترة ما بين عامي 2020 و2024.
ولفت كديمي إلى أن الاستثمارات الصينية الهائلة في البحث والتطوير وتحديث منظومة التعليم، ولا سيما التعليم المهني والتقني، بما يساعد في إعداد قوى عاملة ماهرة قادرة على مواكبة التحولات الصناعية، وجعل المنتجات الصينية المناسبة للاستخدام المحلي والإقليمي والعالمي بأسعار تنافسية وخاصة للدول النامية.
آفاق الخطة الخمسية الـ15 وفرص التعاون الصيني-العربي
فيما يتعلق بالخطة الخمسية الـ15 (2026-2030)، يعتقد كديمي أن الاستراتيجية الصينية خلال هذه الفترة تركز على تعزيز مسيرة البلاد في تحقيق مزيد من الاختراقات في مجال العلوم والتكنولوجيا الحديثة، ما يعني المزيد من زيادة الاستثمارات في الابتكارات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية، وكذلك البحث والتطوير في العلوم الأساسية والبحوث التطبيقية التنموية.
وفي هذا السياق، شدد كديمي على أن العلاقات التاريخية الودية بين الصين والدول العربية تتيح فرصا واسعة لتعزيز التعاون في مجالات تمتلك فيها الصين خبرات متقدمة، مثل الابتكار التكنولوجي والتصنيع الذكي والزراعة الحديثة والطاقة النظيفة، إضافة إلى التعليم والبحث العلمي والتبادلات الثقافية والشعبية.
وأشار إلى أنه رغم التحديات المحتملة المرتبطة بالبيئة الدولية أو الأطر التنظيمية، فإن الأسس الصلبة للعلاقات العربية-الصينية القائمة على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة والتعايش السلمي، قادرة على توفير بيئة مواتية لتعاون طويل الأمد يخدم مصالح الجانبين ويسهم في تحقيق تنمية أكثر شمولا واستدامة.
وأضاف كديمي أن مبادرة "الحزام والطريق" توفر إطارا عمليا للاستفادة من خبرات الصين في مجالات التنمية والإدارة، لافتا إلى أن الصين والدول العربية تتمتع بعلاقات واسعة مع مختلف دول العالم، الأمر الذي يتيح للدول العربية الاستفادة من التجارب الصينية في بناء شبكات متنوعة من التعاون التجاري والاقتصادي، بما يسهم في تنويع اقتصاداتها وتعزيز انفتاحها الإقليمي والدولي.